متى الخلاص من تحكّم مواقع التواصل في حياتنا؟



أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي المُتحكّم الأول في تفاصيل حياتنا وباتت الموجِّه لأغلب أنظمتنا الحياتية، وعلى الرغم من أننا جميعًا نُنكر هذه السيطرة ونرفضها بإرادتنا الكاملة؛ إلّا أنها تؤثّر علينا بشكلٍ ملحوظ.

فما الذي يجعل لوسائل التواصل الاجتماعي جُلّ هذا التأثير علينا وعلى حياتنا؟

• الفراغ الكبير الذي يعاني منه أغلب الناس على سواء، أكان هذا الفراغ عاطفي أم اجتماعي أو حتى فراغًا فكريًا، ولأن الفراغ بحاجةٍ لما يملؤه، باتت وسائل التواصل وسيلة لِملء هذا الفراغ؛ ويبدو أن الشعور بالنّقص جعلنا نبحث عن الكمال، وهذه المواقع والمنصّات باتت تلبّي كل ما نحتاجه، فهي تجعلنا نشعُر بالكمال وبأننا نستغل وقتنا وكأننا بلا أي فراغٍ يُذكر، وهي تُعطينا جرعاتٍ كاذبةٍ ومؤقتة من الشعور بالكمال؛ فأصبحت ملاذًا لنا ولأرواحنا المُنهكة من هذه الحياة.
• شعورنا بالنّقص وحاجتنا لما يُكمّلنا يجعلنا نبحث عن المكمّلات، ولأن وسائل التواصل ، أصبحنا نلجأ لها وأصبحت ملاذًا لنا.
• شعورنا بأن اختلاف الناس هو معضلة، وعدم قدرتنا أحيانًا عن التعبير عن آرائنا كما نشاء، إمّا لخوفٍ من ردة فعل غيرنا أو لشعورنا بعدم الرضا عمّا نريد قوله، ولأن التعبير على هذه المواقع ضوابطه أقل حدّةٍ من الضوابط الواقعية نلجأ لنعبّر عمّا نريد عن طريق هذه المواقع.
• لأن هذه المواقع لا تُظهر مشاعر الكذب والخداع والنفاق، لأن الكلمات تتجرّد من المشاعر، فالكلمات تُعبّر عن مضمونها بلا أي ميلٍ لأي نوعٍ من المشاعر، فمثلاً لو أردنا أن نعبّر عن موضوعٍ علميٍ أو سياسي، فإن كلامنا يُعبّر عن وجهة نظرٍ قد لا تُظهر -بشكلٍ قاطِع- ما إذا كنا مع أو ضدّ.
• ولأننا كلما تعلّقنا بها زاد بُعدنا عن واقعنا وباتت الفجوة كبيرة لدرجةٍ يصعُب أن تُغلَق في يومٍ ما، لذا لعُمق هذه الفجوة نلجأ للتعلّق بها أكثر وأكثر.
• فكرتنا عن الحياة المثالية التي يصعب الوصول إليها في الواقع، تجعلنا نتعلّق بأي شيءٍ يجعلنا -نشعُر- بالمثالية.
• قدرتنا على إخفاء مشاعر الحزن والضعف عن غيرنا أثناء تعبيرنا عمّا يجول في خاطرنا هو السبب الذي يجعلنا نفضّل أن نعبّر عن مشاعرنا بحريّة من خلال تعليقٍ نكتُبه في مربّعٍ في إحدى هذه المواقع على أن نعبّر عنها على أرض الواقع.
• سهولة الوصول لما نريد بكبسة زِر، وكوننا أصبحنا نميل للكسل أصبحت هذه المواقع تلبّي رغباتنا وتحقّق طلباتنا.
• مواقع تُغيّر مزاجنا الحزين لآخر سعيد برمزٍ تعبيريٍ أو بتعليق، جعلتنا نتمسّك بها بشدّةٍ ونأبى أن نتخلّى عنها أو تتخلى عنّا.
• الفراغ القاتل -على الرغم من تعقدّ وتشابك حياتنا- جعلنا نقصد هذه المواقع وطرق التواصل الإلكترونية ونفضِّلها على الواقع .
• توهِمنا هذه المواقع أننا نصل إلى غايتنا وأهدافنا بسهولةٍ لا مثيل لها، ولكن يستحيل يومًا أن يُصبح الوهم حقيقة، وعلى الرغم من حلاوة السهولة إلا أننا نكتشف في نهاية الطريق أن أحلامنا وغاياتنا بُنِيَت على أرضٍ وهمية.
• لأن هذه المواقع تُشعر البعض منّا بقيمتهم الاجتماعية، وهذا هو غاية أغلب البشر وأقصى طموحاتهم بحياتهم.
يقال أن مواقع التواصل يجب أن تجعلنا نتواصل مع بعضنا البعض ولكن يبدو أن العناوين لا تمُت لبعض الكتب بأي صلة، وهذا ما حدث لمواقع ومنصّات التواصل الاجتماعي، أصبحنا نبتعد عن بعضنا أقصى البُعد وأصبحت حياتنا رهنًا لبعض هذه المواقع، وعلى الرغم من وجود أسبابٍ أخرى كثيرةٍ لجعلنا نتعلّق بعوالم وهمية وعدم قدرتنا عن الانفكاك من قيودها، لكننا لا نستطيع أن نُنكِر التغيير الذي أحدثته في حياتنا سواءٌ أكان إيجابيًا أم سلبيًا، والطريقة التي تَغيّرنا بها بعد التمسّك في الخيوط الوهمية لهذه العوالم؛ كم من الأمور التي تغيّرت في حياتنا بفعل هذه المواقع وتبعاتها؟
واقعنا جميل ويستحق أن نحاول عيشه بتفاصيله، علينا أن نلتفت للواقع قليلًا، فكم من اللحظات -الواقعية- التي كانت تستحق الإحتفاء؟ لكن أشغلنا عنها الوهم!


لو أن حياتنا بلا أيٍ من هذه المواقع، أكانت ستبدو حياتنا وعلاقتنا الاجتماعية بهذا السوء؟!

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.